الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
في ذكر بعض ألفاظ ابن عربي التي تبين ما ذكرنا من مذهبه، فإن أكثر الناس قد لا يفهمونه. قال في فص يوسف ـ بعد أن جعل العالم بالنسبة إلى الله كظل الشخص، وتناقض في التشبيه: فكل ما تدركه فهو وجود الحق في أعيان الممكنات، فمن حيث هوية الحق هو وجوده، ومن حيث اختلاف الصور فيه هو أعيان الممكنات، فكما لا يزول عنه باختلاف الصور اسم الظل، كذلك لا يزول عنه باختلاف الصور اسم العالم أو اسم سوى الحق، فمن حيث إحدىة كونه ظلا هو الحق؛ لأنه الواحد الأحد، ومن حيث كثرة الصور هو العالم، فتفطن وتحقق ما أوضحناه لك. وإذا كان الأمر على ما ذكرته لك، فالعالم متوهم ما له وجود حقيقي، وهذا معنى الخيال، أي خيل لك أنه أمر زائد قائم بنفسه، خارج عن الوجود الحق، وليس كذلك في نفس الأمر، ألا تراه في الحس متصلا بالشخص الذي امتد عنه، يستحيل عليه الانفكاك عن ذلك الاتصال؛ لأنه يستحيل على الشيء الانفكاك عن ذاته، فاعرف عينك ومن أنت وما هويتك، وما نسبتك إلى الحق، وبما أنت حق، وبما أنت عالم، وسوى، وغير؟ وما شاكل هذه الألفاظ. /وقال في أول الفصوص ـ بعد [فص حكمة إلهية في كلمة آدمية] و[فص حكمة نفسية، في كلمة شيثية]: وقد قسم العطاء بأمر الله، وإنما يكون عن سؤال وعن غير سؤال، وذكر القسم الذي لا يسأل، لأن شيئا هو هبة الله إلى أن قال: ومن هؤلاء من يعلم أن علم الله به في جميع أحواله: هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه عينه من العلم به، وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم الله به من أين حصل، وما ثم صنف من أهل الله أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سر القدر، وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملا، ومنهم من يعلم ذلك مفصلا. والذي يعلمه مفصلا أعلى وأتم من الذي يعلمه مجملا، فإنه يعلم ما تعين في علم الله فيه، إما بإعلام الله إياه بما أعطاه عينه من العلم به، وإما بأن يكشف له عن عينه الثابتة، وعن انتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى، وهو أعلى، فإنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به؛ لأن الأخذ من معدن واحد، إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له، هي من جملة أحوال عينه، يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله على ذلك ـ أي على أحوال عينه ـ فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة ـ التي تقع صورة الوجود عليها ـ أن يطلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها؛ لأنها نسب ذاتية لا صورة لها. /فبهذا القدر نقول:إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادتها العلم، ومن هنا يقول الله: {حتى نعلم} وهي كلمة محققة المعنى، ما هي كما يتوهم من ليس له هذا المشرب، وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم يعقله في هذه المسألة، لولا أنه أثبت العلم زائدًا على الذات فجعل التعلق له لا للذات، وبهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف والشهود. ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول: إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية، فأما المنح والهبات، والعطايا الذاتية، فلا تكون أبدًا إلا عن تجل إلهي، والتجلي من الذات لا يكون أبدًا إلا لصورة استعداد العبد المتجلى له، وغير ذلك لا يكون، فإذن المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق، ولا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه، كالمرآة في الشاهد، إذا رأيت الصور فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها. فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي، ليعلم المتجلي له أنه ما رآه، وما ثم مثال أقرب ولا أشبه بالرؤية والتجلي من هذا، واجهد في نفسك عندما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة، لا تراه أبدًا البتة، حتى إن بعض من أدرك مثل هذا في صورة المرئي، ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي، وبين المرآة، هذا أعظم ما قدر عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إليه. وقد بينا هذا في الفتوحات المكية، وإذا ذقت هذا، ذقت الغاية التي ليس/فوقها غاية في حق المخلوق، فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى أعلى من هذا الدرج، فما هو ثم أصلا وما بعده إلا العدم المحض، فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها، وليست سوى عينه، فاختلط الأمر وانبهم، فمنا من جهل في علمه فقال:والعجز عن درك الإدراك إدراك، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا القول، وهو أعلى القول، بل أعطاه العلم السكوت ما أعطاه العجز، وهذا هو أعلى عالم بالله. وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل، وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى إن الرسل لا يرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، فإن الرسالة والنبوة ـ أعنى نبوة التشريع ورسالته ـ ينقطعان، والولاية لا تنقطع أبدا. فالمرسلون من حيث كونهم أولىاء، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟ وإن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه، ولا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل، كما أنه من وجه يكون أعلى. وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في فضل عمر، في أسارى بدر بالحكم فيهم، وفي تأبير النخل، فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل/ شيء، وفي كل مرتبة، وإنما نظر الرجال إلى التقدم في مرتبة العلم بالله، هنالك مطلبهم، وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه. ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن وقد كمل سوى موضع لبنة فكان النبي صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة، غير أنه صلى الله عليه وسلم لا يراها ـ إلا كما قال ـ لبنة واحدة. وأما خاتم الأولياء، فلابد له من هذه الرؤية، فيرى ما مثل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيرى في الحائط موضع لبنتين، واللبن من ذهب وفضة، فيرى اللبنتين اللتين ينقص الحائط عنهما ويكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة، فلابد من أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين، فيكمل الحائط. والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين: أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر، وهو موضع اللبنة الفضة وهو ظاهره، وما يتبعه فيه من الأحكام كما هو آخذ عن الله تعالى في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه؛ لأنه رأى الأمر على ما هو عليه، فلابد أن يراه هكذا، وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه آخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك، الذي يوحى به إلى الرسول. فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع، فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي، ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، وإن تأخر وجود/طينته، فإنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين)، وغيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث. وكذلك خاتم الأولياء، كان وليًا وآدم بين الماء والطين، وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية، من الأخلاق الإلهية، والاتصاف بها من أجل كون الله يسمى بالولي الحميد. فخاتم الرسل من حيث ولايته نسبته مع الختم للولاية، مثل نسبة الأنبياء والرسل معه، فإنه الولي الرسول النبي. وخاتم الأولياء الولي الوارث، الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب، وهو حسنة من حسنات خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، مقدم الجماعة، وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة، فعين بشفاعته حالا خاصا ما عمم، وفي هذه الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين، ففاز محمد بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب والمقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام. ا هـ. فهذا الفص قد ذكر فيه حقيقة مذهبه التي يبني عليها سائر كلامه، فتدبر ما فيه من الكفر الذي أحدها: أنه أثبت له عينًا ثابتة قبل وجوده ولسائر الموجودات، وإن ذلك ثابت له ولسائر أحواله وكل ما كان موجودًا من الأعيان والصفات والجواهر والأعراض فعينه ثابتة قبل وجوده. وهذا ضلال قد سبق إليه كما تقدم. الثاني: أنه جعل علم الله بالعبد إنما حصل له من علمه بتلك العين الثابتة في العدم التي هي حقيقة العبد، لا من نفسه المقدسة، وأن علمه بالأعيان الثابتة في العدم وأحوالها تمنعه أن يفعل غير ذلك، وأن هذا هو سر القدر. فتضمن هذا وصف الله تعالى بالفقر إلى الأعيان وغناها عنه، ونفى ما استحقه بنفسه، من كمال علمه وقدرته، ولزوم التجهيل والتعجيز، وبعض ما في هذا الكلام المضاهاة لما ذكره الله عمن قال فيه: /والمسلمون يعلمون أن الله عالم بالأشياء قبل كونها بعلمه القديم الأزلي، الذي هو من لوازم نفسه المقدسة، لم يستفد علمه بها منها: أحدها: أنه خالق لها، والخلق هو الإبداع بتقدير، وذلك يتضمن تقديرها في العلم قبل تكونها في الخارج. الثاني: أن ذلك مستلزم للإرادة، والمشيئة والإرادة مستلزمة لتصور المراد والشعور به، وهذه الطريقة المشهورة عند أكثر أهل الكلام. الثالث: أنها صادرة عنه، وهو سببها التام، والعلم بأصل الأمر وسببه يوجب العلم بالفرع المسبب، فعلمه بنفسه مستلزم العلم بكل ما يصدر عنه. الرابع: أنه في نفسه لطيف يدرك الدقيق خبير يدرك الخفي، وهذا هو مقتضى العلم بالأشياء، فيجب وجود المقتضي لوجود السبب التام، فهو في علمه بالأشياء مستغن بنفسه عنها، كما هو غني بنفسه في جميع صفاته، ثم إذا رأى الأشياء بعد وجودها، وسمع كلام عباده ونحو ذلك؛ فإنما يدرك ما أبدع وما خلق، وما هو مفتقر إليه، ومحتاج من جميع وجوهه، لم يحتج في علمه وإدراكه إلى غيره البتة؛ فلا يجوز القول بأن علمه بالأشياء استفاده من نفس الأشياء الثابتة، الغنية في ثبوتها عنه. /وأما جحود قدرته، فلأنه جعل الرب لا يقدر إلا على تجليه في تلك الأعيان الثابتة في العدم، الغنية عنه، فقدرته محدودة بها، مقصورة عليها، مع غناها عنه وثبوت حقائقها بدونه، وهذا عنده هو السر الذي أعجز الله أن يقدر على غير ما خلق، فلا يقدر عنده على أن يزيد في العالم ذرة، ولا ينقص منه ذرة، ولا يزيد في المطر قطرة، ولا ينقص منه قطرة، ولا يزيد في طول الإنسان ولا ينقص منه، ولا يغير شيئا من صفاته، ولا حركاته، ولا سكناته، ولا ينقل حجرًا عن مقره، ولا يحول ماء عن ممره، ولا يهدي ضالا ولا يضل مهتديا، ولا يحرك ساكنا ولا يسكن متحركا، ففي الجملة لا يقدر إلا على ما وجد؛ لأن ما وجد فعينه ثابتة في العدم، ولا يقدر على أكثر من ظهوره في تلك الأعيان.
وهذا التجهيل والتعجيز الذي ذكره، وزعم أنه هو سر القدر ـ وإن كان قد تضمن بعض ما قاله غيره من الضلال ـ ففيه من الكفر ما لا يرضاه غيره من الضالين. فإن القائلين بأن المعدوم شيء يقولون ذلك في كل ممكن كان أو لم يكن، ولا يجعلون علمه بالأشياء مستفادًا من الأشياء قبل أن يكون وجودها، ولا أن خلقه وقدرته مقصورة على ما علمه منها، فإنه يعلم أنواعا من الممكنات لم يخلقها فمعلومه من الممكنات أوسع مما خلقه، ولا يجعلون المانع من أن يخلق غير ما خلق هو كون الأعيان الثابتة في العدم لا تقبل سوى هذا الوجود، بل يمكن عندهم وجودها على صفة أخرى، هي أيضا من الممكن الثابت في العدم. فلا يفضي قولهم لا إلى تجهيل، ولا إلى تعجيز من هذا الوجه، وإنما/ قد يقولون: المانع من ذلك أن هذا هو أكمل الوجوه وأصلحها، فعلمه بأنه لا أكمل من هذا يمنعه أن يريد ما ليس أكمل بحكمته، فيجعلون المانع أمرًا يعود إلى نفسه المقدسة، حتى لا يجعلونه ممنوعا من غيره. فأين من لا يجعل له مانعًا من غيره، ولا راد لقضائه، ممن يجعله ممنوعا مصدودا؟ وأين من يجعله عالما بنفسه، ممن يجعله مستفيدًا للعلم من غيره؟ وممن هو غني عنه؟ هذا مع أن أكثر الناس أنكروا على من قال: ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم. الثالث: أنه زعم أن من الصنف الذي جعله أعلى أهل الله من يكون في علمه بمنزلة علم الله؛ لأن الأخذ من معدن واحد إذا كشف له عن أحوال الأعيان الثابتة في العدم، فيعلمها من حيث علمها الله، إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له، هي من جملة أحوال عينه، يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله على ذلك، فجعل علمه وعلم الله من معدن واحد. الرابع: أنه جعل الله عالما بها بعد أن لم يكن عالما، واتبع المتشابه الذي هو قوله: {حَتَّى نَعْلَمَ}[محمد: 31]، وزعم أنها كلمة محققة المعنى، بناء على أصله الفاسد أن وجود العبد هو عين وجود الرب، فكل مخلوق علم ما لم يكن علمه، فهو الله علم ما لم يكن علمه. وهذا الكفر ما سبقه إليه كافر، فإن غاية المكذب بقدر الله أن يقول: إن الله علم ما لم يكن عالما، أما أنه يجعل كل ما تجدد لمخلوق من العلم فإنما تجدد/ لله، وأن الله لم يكن عالما بما علمه كل مخلوق، حتى علمه ذلك المخلوق، فهذا لم يفتره غيره. الخامس: أنه زعم أن التجلي الذاتي، بصورة استعداد المتجلى والمتجلى له، ما رأى سوى صورته في مرآة الحق، وأنه لا يمكن أن يرى الحق مع علمه بأنه ما رأى صورته إلا فيه، وضرب المثل بالمرآة، فجعل الحق هو المرآة، والصورة في المرآة هي صورته. وهذا تحقيق ما ذكرته من مذهبه: أن وجود الأعيان عنده وجود الحق، والأعيان كانت ثابتة في العدم، فظهر فيها وجود الحق، فالمتجلى له، وهو العبد لا يرى الوجود مجردًا عن الذوات، ما يرى إلا الذوات التي ظهر فيها الوجود، فلا سبيل له إلى رؤية الوجود أبدًا. وهذا عنده هو الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق، وما بعده إلا العدم المحض، فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه، وظهور أحكامها. وذلك لأن العبد لا يرى نفسه ـ التي هي عينه ـ إلا في وجود الحق، الذي هو وجوده، والعبد مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها؛ لأن أسماء الحق عنده هي النسب والإضافات، التي بين الأعيان وبين وجود الحق، وأحكام الأسماء هي الأعيان الثابتة في العدم، وظهور هذه الأحكام بتجلي الحق في الأعيان. والأعيان التي هي حقيقة العيان هي مرآة الحق، التي بها يرى أسماءه، / وظهور أحكامها، فإنه إذا ظهر في الأعيان، حصلت النسبة التي بين الوجود والأعيان ـ وهي الأسماء ـ وظهرت أحكامها ـ وهي الأعيان ـ ووجود هذه الأعيان هو الحق، فلهذا قال: وليست سوى عينه، فاختلط الأمر وانبهم. فتدبر هذا من كلامه وما يناسبه، لتعلم ما يعتقده من ذات الحق وأسمائه وأن ذات الحق عنده هي نفس وجود المخلوقات، وأسماءه هي النسب التي بين الوجود والأعيان، وأحكامها هي الأعيان، لتعلم كيف اشتمل كلامه على الجحود للّه ولأسمائه، ولصفاته وخلقه وأمره، وعلى الإلحاد في أسماء اللّه وآياته، فإن هذا الذي ذكره غاية الإلحاد في أسماء اللّه وآياته، الآيات المخلوقة والآيات المتلوة، فإنه لم يثبت له اسمًا ولا آية؛ إذ ليس إلا وجودًا واحدًا، وذاك ليس هو اسما ولا آية، والأعيان الثابتة ليست هي أسماءه ولا آياته، ولما أثبت شيئين فرق بينهما بالوجود والثبوت ـ وليس بينهما فرق ـ اختلط الأمر عليه وانبهم.
|